القائمة الرئيسية

الصفحات

اخر الاخبار

مفهوم القانون بوجه عام : تعـريف القانـون(Definition of law)

مفهوم القانون بوجه عام : تعـريف القانـون


مفهوم القانون بوجه عام  تعـريف القانـون

مفهوم القانون بوجه عام  تعـريف القانـون


 تتطلب دراسة المدخل للعلوم القانونية التعرض أولا لتعريف القانون وتمييزه عن العلوم الأخرى لاستخلاص مفهومه وأهميته بالنسبة للمجتمع والغاية منه وهذا ما سنتعرض له في الفصل الأول.


والقانون باعتباره مجموعة من القواعد القانونية لها خصائصها ولكن هذه الخصائص قد تتميز بها قواعد السلوك أيضا، كقواعد الأخلاق والتقاليد فلا بد من التفرقة بينها وبين القواعد القانونية لاستخلاص مفهومها الدقيق ولمعرفة مدى تأثر القواعد القانونية بقواعد السلوك، وقد خصص الفصل الثاني لخصائص القاعدة القانونية وصلتها بقواعد السلوك الأخرى.

أما الفصل الثالث فقد تناول تقسيم القواعد القانونية بحيث تختلف القاعدة القانونية من حيث قوة الزامها، وكما أن هذا لا يدل على أن بعض القواعد القانونية تفتقد لخاصية الالزام بل جميع القواعد القانونية ملزمة وإن اختلفت في شروط تطبيقها لكونها آمرة آو مكملة.

وتنقسم القواعد القانونية أيضا وفقا لطبيعة موضوعها إلى قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص، بل هناك قواعد مختلطة امتزج فيها القانون العام بالخاص وتكتسي دراسة هذا الموضوع أهمية كبيرة بالنسبة لدارس المبادئ الأولى للقانون إذ تطلعه على أهم فروع القانون فتقدم له نظرة شاملة عن الدراسة القانونية كما تبين له الأساس العام الذي يقوم عليه تقسيم القانون إلى خاص وعام.

الفصل الأول: التعريف بالقانون وصلته بالعلوم الأخرى

المبحث الأول: التعريف بالقانون والغاية منه

المطلب الأول: التعريف بالقانون

إن كلمة القانون توحي أكثر من معنى، وتعطي أكثر من مدلول، فقد يقصد بكلمة قانون الإشارة إلى القواعد التي تحكم بعض الظواهر الطبيعية كالقوانين الفيزيائية كقواعد "الجاذبية الأرضية" وتعتبر قاعدة تقريرية أو وصفية لأنها تكون مقررة لواقع يتحقق كلما تحققت أسبابه دون أي استثناء.

وقد يقصد بكلمة قانون مجموعة قواعد السلوك التي يتعين على الأفراد احترامها لضمان الأمن والنظام في المجتمع، والقاعدة التي يحتويها القانون تعتبر قاعدة تنظيمية او تقويمية للسلوك، لأنها تخاطب الأفراد وتطالبهم باتباع سلوك معين ويوقع الجزاء على من يخالف أحكامها .

وهذا هو المفهوم العام للقانون لكن هناك مفهوما خاصا للقانون إذ يقصد به مجموعة القواعد التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة لتنظيم أمر ما كالقانون التجاري وقانون العمل.... الخ ويطلق عليه إصطلاح التشريع.

وقد يستعمل اصطلاح "قانون" للدلالة على وصف معين فالقانون الوضعي هو التشريع المكتوب الذي تسنه السلطة التشريعية، والقانون الطبيعي هو مجموعة القواعد الأبدية التي أودعها الله في الكون والتي يستخلصها العقل البشري، وكلما اقتربت قواعد القانون الوضعي من القانون الطبيعي كانت أقرب إلى المثالية والعدالة.

فالقانون الطبيعي هو العدل في ذاته(1) وهو الهدف الذي يجب أن يسعى إليه القانون الوضعي

وإذا كان القانون بالنسبة للناس كافة يتمثل في المشرع والقاضي فهو بالنسبة لرجل القانون يتمثل في القاعدة القانونية والحكم (2)ويرجع ذلك إلى ما يلي

أولا: لأن القاعدة القانونية هي قاعدة سلوك تفرضها السلطة على  الشخص ويلزم باحترامها، ولا تكون القواعد القانونية مبعثرة وإنما قد تجمع في قانون معين لتنظيم روابط معينة كقانون الأسرة لتنظيم العلاقات الأسرية والقانون التجاري لتنظيم العلاقات التجارية ، وقد يكون مصدرها الشريعة الإسلامية أو العرف. و القواعد القانونية في مجموعها تشكل النظام القانوني للمجتمع.

ثانيا: أما الحكم فيتمثل في تولي الدولة فض المنازعات بين الأفراد، وتولي الدولة هذه المهمة جاء نتيجة تطور المجتمع وظهور الحاجة إلى ذلك، وبدأت فكرة القضاء الخاص تزول تدريجيا إلى أن أصبح الوضع على ما هو عليه أي تولي الدولة مهمة القضاء، إلا أنه يلاحظ أن بعض أثار القضاء الخاص لازالت موجودة في الوقت الحاضر كحق الدفاع الشرعي وحق الحبس، لكن هذه الصور تمارس اليوم تحت رقابة السلطة القضائية حتى لا يتجاوز الافراد الحدود التي رسمها القانون.

فلا يكفي لتنظيم المجتمع وجود نصوص قانونية تلزم الأفراد باتباع سلوك معين بل لابد من جزاء لفرض هذا الاحترام والحكم القضائي وسيلة لفرض ذلك، والحكم القضائي جزء من الظاهرة القانونية إذ القاعدة القانونية تحتاج إلى تطبيق، والقاضي هو الذي يطبقها على الحالة المعروضة عليه، وفي حالة عدم وجود نص في القانون يبحث عنه في المصادر الأخرى، وإذا لم يعثر على الحل، فله أن يجتهد وفقا لمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
1-د.تناغو: النظرية العامة للقانون ،المنشأة المعارف ،  الإسكندرية 1986،ص126
2- carbonnier  j:droit civile ,tom i,introduction,les persoones,puf,paris1985,p20

المطلب الثاني: الغاية من القانون

قال أرسطو "الانسان كائن اجتماعي" والفرد الذي لا يستطيع أن يعيش في جماعة أو ليست له حاجات اجتماعية لأنه يكفي نفسه بنفسه أما أن يكون وحشا أو آلها، أي أما أن يكون دون الإنسانية أو فوقها فيكون وحشا لأنه ليس في حاجة لأن يعيش في مجتمع بشري أو يكون آلها لأنه بلغ جميع كمالاته وليس في حاجة إلى من يكمله(1).

وتواجد شخص في جماعة يفرض وجود تضارب بين مصالحه ومصالح غيره، مما يفرض ترجيح مصلحة على أخرى، وكان من الضروري وجود قانون ينظم هذه المصالح المتضاربة، فوضعت قوانين ملزمة لتحديد واجبات وحقوق الأفراد قبل الجماعة التي يعيشون فيها وقبل بعضهم البعض

ويهدف القانون إلى تنظيم المجتمع، وضمان المصلحة العامة، كما يقوم بالتوفيق بين مصالح الأفراد وحرياتهم وبين المصلحة العامة ولكن إلى أي حد يحقق القانون العدل؟

لقد اختلفت الآراء الفقهية في هذا الصدد، فتذهب المدرسة المثالية إلى القول بأنه لا احترام للقواعد القانونية إذا لم تكن تهدف إلى تحقيق العدل، فالعدل هو الذي يفرض احترام هذه القواعد. بينما تذهب المدرسة التاريخية إلى أن الجبر أو الإلزام هو الذي يفرض احترام القواعد القانونية.

الحقيقة هي أنه لا بد أن يكون هدف القانون هو تحقيق العدل، وإن كان من الصعب تحقيقه خاصة بمفهومه المثالي المطلق (2)، ولكن يجب أن تسعى إليه القوانين الوضعية. وتحقيق عدالة معينة وهي العدل الذي يطبقه المشرع وفقا لظروف كل بلد وزمان معين.
1-رمضان ابو السعود : المدخل إلي القانون،الدار الجامعية ، بيروت 1984ص11. 
2- mazeaud :lecons  de droit civil,tom i,volume 1,introduction a l'   eude du droit,edition montchrestien,paris 1970,p13.

المبحث الثاني: علم القانون وعلاقته بالعلوم الأخرى

قبل التطرق لعلاقة القانون بالعلوم الأخرى لابد من تبيين ما إذا كان القانون علما يعتمد على الملاحظة والتجربة مثله مثل العلوم الفيزيائية أو الطبيعية أو أنه فن يقتصر على الإبداع والخيال أو يجمع بينهما.

المطلب الأول: القانون علم وفن في نفس الوقت 

أ- القانون علم من العلوم الاجتماعية

إذا كان العلم يعني مجموعة أفكار مرتبطة وطريقة تحليل منسقة يكون القانون كذلك، إذ سيتند إلى تعاريف دقيقة لتحديد الظواهر القانونية ومن أمثلة تلك التعاريف ما نصت عليه المادة 54 مدني: "العقد اتفاق يلزم بموجبه شخص، أو عدة أشخاص آخرين، بمنح، أو فعل أو عدم فعل شيء ما(1).

ويعتمد القانون على تقسيم الظواهر، فتقسم الوقائع القانونية إلى وقائع مادية وتصرفات كما تقسم الاموال إلى عقارات ومنقولات، وتقسم الحقوق إلى حقوق مالية وحقوق غير مالية، وتقسم العقود إلى عقود معاوضة وعقود تبرع، وإلى عقود شكلية وعقود رضائية، وإلى عقود ملزمة للجانبين وعقود ملزمة لجانب واحد.... إلخ، وتقسم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات

كما يعتمد القانون على التصنيفات لتحديد الطبيعة القانونية لمفهوم معين وتبيان علاقته بالمفاهيم الأخرى. فيتحدد ما إذا كان مصدره العقد أو الفعل الضار أو شبه العقد، وبتحديد مصدره يخضع عند تطبيقه إلى القواعد الخاصة به والقواعد العامة المنظمة له
والقانون علم يسهر القاضي على تطبيقه في الواقع على الوقائع المعروضة عليه وهذا لا يعني ان الأحكام القضائية هي عنوان للحقيقة لهذا يلاحظ أحيانا تناقض بين الأحكام القضائية التي تفصل في وقائع متشابهة

فالحقيقة في علم القانون هي حقيقة نسبية وليست حقيقة فعلية، فهي حقيقة تفرضها السلطة العامة لتحقيق الاستقرار العام وتعتمد لوضع حد لنزاع قائم بينما النتائج العلمية تعتبر حقيقة فعلية وهذا ما يؤدي بنا إلى القول بأن القانون علم من نوع خاص ينتمي إلى طائفة العلوم الاجتماعية.

ب- القانون فن وعلم في نفس الوقت

فلسن التشريع أو لوضع تشريع ملائم لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية تكون أمام المشرع  "ART" القانون فن
عدة حلول، وعليه اختيار الحل الذي يراه مناسبا، مثلا هل نجعل العقد شكليا أو رضائيا، وكذلك هل يعتبر عقد الزواج العرفي صحيحا أو لابد من إجراءات شكلية لصحته، فالمشرع هو الذي يختار الحل الملائم، وهو إختيار صعب أحيانا، وللقيام به يستند المشرع إلى طاقته الإبداعية لإيجاد المخارج المرضية

فالعلم مجاله يقتصر على ملاحظة وقائع أي إلى المعرفة التقنية لهذه الظواهر ووضع أسس لها، أما الفن فيتصف بإبداع العقل البشري للوصول إلى نتيجة يرتضيها أو يراها ضرورية، فعمل المشرع يتصف بجانب فني وبجانب علمي. وكذلك الحال بالنسبة للقاضي عندما يطبق قاعدة قانونية على حالة معينة، فيستعمل إبداعه الشخصي إذا كانت هذه القاعدة تتطلب تفسيرا لإستنباط الحكم الخاص بالواقعة

فإنه يرجع إلى قواعد القانون الوضعي لملاحظتها ومقارنتها مع الواقع  " le juriste" وكذلك الأمر بالنسبة لرجل القانون 
المعروض امامه وهدفه في ذلك الوصول إلى العدل(1)، وقد ينتهي من تحليله إلى أنه يختلف عما تقرره القاعدة الموجودة، وهذا ما يؤدي إلى تعديل القانون وتطويره
1-mazeaud : op ,p34-35

المطلب الثاني: علاقة القانون بالعلوم الأخرى

لا يمكن القانون أن يحقق النظام في المجتمع إلا إذا استعان بعلوم أخرى كالتاريخ، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والاقتصاد، والسياسة، وعلم النفس، بحيث تساعد هذه العلوم على وضع قواعد تلائم أوضاع المجتمع

أ- تاريخ القانون 

يساعد على وضع أسس عامة لتطور النظم القانونية. فالتاريخ ضروري لمعرفة التطور القانوني، فلا يمكن تفهم قاعدة قانونية إلا بالنظر إلى الظروف التي أدت إلى إنشائها، كما يوضح التاريخ مصدر القانون والتيارات التي ساعدت على نشأته فيستفيد رجال القانون برصيد من الملاحظات والأفكار التي كانت سائدة، ويعملون على تطويرها وفقا للوضع المعاصر

 ب- علم القانون المقارن

يعتمد هذا العلم على المقارنة بين أنظمة قانونية مختلفة، ويساعد رجال القانون لأنه قد تكون دراسة تطور القانون الأجنبي وسيلة تساهم في تعديل القانون الوطني إذا كان هذا التطور إيجابيا يتماشى مع مقتضيات العصر

وقد تكون الاستفادة من القانون الأجنبي بطريقة غير مباشرة، كما في حالة الاستفادة من النظريات الفقهية والانتقادات الموجهة للقانون الأجنبي، فالمشرع الوطني عندما يتفادى تلك الأخطاء التي وقع فيها القانون الأجنبي يكون قد استفاد بأراء الفقهاء

ج- القانون و علم الاجتماع 

القاعدة القانونية ظاهرة اجتماعية، أي تحكم سلوك الفرد في مجتمع معين فتؤثر عليه، ويساعد علم الاجتماع القانون لمعرفة الأداب العامة السائدة في المجتمع ودراسة ذلك وفقا لإحصائيات معينة من شأنها أن تنير المشرع، بل أن الاحاطة بالظواهر الاجنماعية تساعد المشرع على وضع قوانين تنسجم معها(1). وفي ذلك فائدة للمجتمع إذ يساهم في وضع قوانين تحقق الاستقرار العام

د- القانون و علم النفس

يفيد علم النفس القانون لمعرفة دوافع إرتكاب الجريمة ولردود فعل الشخص بعد إرتكابها(2). ويستعين القانون بعلماء النفس لمعرفة التدابير الملائمة لإعادة إصلاح المجرمين(3).

ه- القانون و السياسة

يتأثر القانون بالسياسة، فيتأثر بالتيارات السياسية السائدة ويخضع لها فعندما يعرض لتنظيم السلطات العامة وإدارتها وتحديد العلاقة فيما بينها، وفيما بينها وبين الأفراد، يتصل اتصالا وثيقا بعلم السياسة، فأي تطور سياسي يفرض وضع قوانين تخدم هذا التطور (4)وبالنسبة لرجل القانون فإن معرفة وتفهم القواعد التي تنظم الدولة مرتبط بتفهم النظام السياسي القائم

و- القانون وعلم الإقتصاد

يتأثر القانون بالاقتصاد، فتأتي القواعد القانونية متأثرة بحجم النشاط الاقتصادي، لأن القواعد القانونية لا توضع عشوائيا، بل تستند إلى وقائع اقتصادية واجتماعية وسياسية(5).
1-alex weill :droit civil,introduction générale ,Dalloz, deuxième  édition, 1970,p20
2- carboonier  j :op cit,p48
3-mazeaud:op cit,p39
4-د.حبيب إبراهيم الخليلي : المدخل للعلوم القانونية ،ديون المطبوعات جامعية،الطبعة الثانية 1990،ص49.
5- mazeaud:op cit,p38ففي الاقتصاد الحر توجد قواعد قانونية ملائمة له، فتزيد من الحريات الفردية وتقلص من تدخل الدولة، وفي الاقتصاد المخطط، يتدخل المشرع بقواعد قانونية يقلص بها من الحريات الفردية(1) فيؤثر القانون في الاقتصاد أيضا، إذ تسعى الدولة لضمان سيطرتها الإقتصادية في مجال معين إلى وضع قواعد تخدم هذه المصلحة كالقواعد الخاصة بتحديد الأسعار وبمنع الإستيراد

و- القانون والفلسفة

أساس القانون هو الفلسفة، وهي أساس جميع العلوم. وفلسفة القانون تبحث عن أصول القانون وأسسه العامة، وتستعين في ذلك بعلم القانون المقارن، وبتاريخ القانون لتحديد أصل القانون والهدف الذي يصبو إليه. ونلاحظ أخيرا أن القانون يتصل أيضا بالعلوم الطبيعية والتقنية، فتطور وسائل الانتاج يؤدي حتما إلى تطوير قواعد المسؤولية.  (2) كما يستعين القانون بالتطور العلمي عموما، فدعوى إثبات النسب مثلا يستعان فيها بالتطور العلمي في مجال تحاليل الدم(3).
1-عباس الصراف وجورج حزبون :المدخل إلى علم القانون ،عمان1985،ص21.
1-alex weill:op cit,p22
3-michel de juglart :cours de droit civil,tom,1er volume,6ème  édition, paris 1970,p73.

الفصل الثاني: خصائص القاعدة القانونية وصلتها بقواعد السلوك

القانون إذن هو مجموعة القواعد العامة المنظمة لسلوك الافراد في المجتمع والتي تحملهم السلطة العامة على احترامها باستعمالها للقوة عند الضرورة ويتناول المبحث الأول خصائص هذه القواعد القانونية، ولكن لا تحكم سلوك الفرد في المجتمع قواعد قانونية فقط بل أيضا قواعد تميلها الأخلاق والتقاليد السائدة في المجتمع، كما أن للدين أيضا تأثيرا على سلوك الفرد، وقد يصعب أحيانا وضع أسس للتفرقة بينهما وبين القواعد القانونية


المبحث الأول: مميزات القاعدة القانونية

تتميز القاعدة القانونية بأنها قاعدة سلوك فتحكم سلوك الفرد في الجماعة، وتعتبر أيضا عامة ومجردة كما أنها ملزمة للأفراد

المطلب الأول: القاعدة القانونية تحكم سلوك الفرد في الجماعة

فالقاعدة القانونية قاعدة سلوك يأتمر بها الأفراد للقيام أو الإمتناع عن سلوك معين، فهي قاعدة تقويمية لسلوك الفرد في الجماعة، فلا حاجة لقواعد قانونية إذا كان الشخص يعيش وحده مثل روبنسون كروزو الذي عاش في جزيرة معزولة فترة من الزمن فلا يتصور وجود الدولة، فقد وجدت بعد وجود تجمع معين كالجماعات الأسرية، ويرى الأستاذ سمير سيد تناغو " أنه من غير المقبول القول بأن القانون قد وجد قبل تواجد الدولة ولكن الجماعات البدائية غير المنتظمة التي لا تأخذ شكل الدولة لا يحكمها القانون وإن وجدت فيها قواعد التقاليد أو الدين أو العادات الاجتماعية

ويمكن الرد على هذا القول أن القانون ليس مصدره التشريع فقط، لهذا يوجد بوجود تجمع معين يحكمه العرف، وهو قواعد قانونية. أما التشريع فهو الذي يتطلب وجود مجتمع منظم في شكل دولة ذات سيادة ويكون لها سلطة إجبار الأفراد على إطاعة احكام القانون

وإذا كان القانون يهتم بسلوك الفرد داخل المجتمع فهو يهتم بالسلوك الخارجي للشخص سواء في علاقة الأفراد ببعضهم البعض أو في علاقة الأفراد بالسلطة، فلا بد لتطبيق أحكام القانون أن يكون سلوك الشخص قد اتخذ مسلكا خارجيا، أما مجرد الشعور أو النية فلا يعتد بها القانون إلا إذا اقترنت بعمل خارجي، فتختلف عقوبة القتل العمد عن القتل الخطأ، وذلك لتوافر القصد لدى مرتكب جريمة القتل عمدا

المطلب الثاني: القاعدة القانونية عامة ومجردة

أ- مفهوم التجريد والعمومية

لا بد أن تصاغ القاعدة القانونية بصفة مجردة، فهي لا توجه إلى شخص بعينه ولا تطبق على واقعة قانونية بذاتها، مثل ذلك نص المادة 40 مدني التي تقتضي بأنه:" كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجز عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة  حقوقه المدنية وسن الرشد تسع عشرة (19) سنة كاملة". فتنطبق القاعدة القانونية على كل شخص بلغ سن 19 سنة وكان غير مصاب بعارض من عوارض الأهلية، فالنص جاء بصفة مجردة إذ ينطبق على جميع من تتوفر فيه الصفات المذكورة

وتنطبق القواعد القانونية أيضا على الوقائع إذا توافرت فيها شروط معينة. فالقاعدة القانونية لا تخص واقعة معينة، مثل ذلك نص المشرع في المادة 124 مدني على أن : " كل عمل أيا كان يرتكبه المرء بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض". فكل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض دون تحديد للشخص مرتكب الخطأ ولا للضر، فإذا توافرت شروط الواقعة من خطأ وضرر ترتب عليها التعويض

فالتجريد إذن صفة من صفات القاعدة القانونية، والعمومية وهي الأثر المترتب على التجريد. فالقاعدة القانونية إذا كانت مجردة فإنها تكون عامة حتما فالقواعد القانونية التي تحدد أحكام الخدمة الوطنية تضع قواعد قانونية عامة، لأنها تتضمن تكليفا عاما موجها إلى كل من تتوافر فيه الشروط الموضوعة في القاعدة سواء كان ذلك في الحال أو في المستقبل. ولكن القرار الخاص باستدعاء أحد الأشخاص للخدمة الوطنية أو المتضمن اكتساب شخص معين الجنسية، لا يعتبر قاعدة قانونية لأنه يخاطب شخصا معينا

على أن القول بعمومية القاعدة القانونية لا يعني أنها تخاطب كل الناس المتواجدين في مجتمع معين، بل قد تخاطب القاعدة القانونية طائفة معينة من الناس بصفاتها كالأطباء، أو المحامين، أو المهندسين، او الموثقين....الخ وتظل القاعدة عامة ومجردة حتى لو كانت خاصة بطائفة معينة طالما إنها لا تخاطب الشخص باسمه، بل وتظل القاعدة مجردة ولو انطبقت على شخص واحد كرئيس المحكمة، او رئيس الجمهورية ذلك لأن هذه القواعد لا تخاطب هؤلاء الأشخاص بأشخاصهم أو ذواتهم بل بصفاتهم فهي تتجه إلى الشاغلين لتلك المناصب حاضرا أو مستقبلا

ب- النتائج المترتبة على العمومية والتجريد

تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون دون التحيز لشخص معين، لكن السعي إلى تحقيق المساواة يؤدي إلى الأخذ في الإعتبار  بأغلبية الناس إذ لا يمكن المشرع مراعاة كل حالة على حدة، مما قد يضر بطوائف معينة، لكن القانون يهدف كما سبق الذكر إلى تحقيق النظام والاستقرار في المجتمع، وهذا لا يمكن تحققه إلا إذا كانت القاعدة عامة ومجردة تخاطب كافة الناس المتواجدين في المجتمع إذا توفرت فيهم الشروط او الصفات المطلوبة لتطبيق القاعدة القانونية

.اعتبار القواعد القانونية عامة ومجردة يسهل تطبيقها، لأن الأشخاص يحترمون بسهولة القواعد إذا انطبقت على المجموع -

.وتحقق العمومية والتجريد غاية عملية، ذلك لأنه من المستحيل عمليا إصدار قرارات فردية تنظم سلوك كل شخص على حدة -

المطلب الثالث: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة

أ- ضرورة الجزاء بالنسبة للقاعدة القانونية

الالزام يعتبر من أهم خصائص القاعدة القانونية، فلكي يلتزم الافراد باحترام القواعد القانونية لابد أن تقترن بجزاء، وهذا الجزاء توقعه السلطة العامة جبرا على من يخالف القاعدة القانونية. والجزاء كان موجودا في المجتمعات القديمة، الا أنه كان غير منظم بقواعد قانونية بل كان أساسه الانتقام الفردي للشخص المجني عليه أو على أسرته أو على عشيرته ضد الجاني أو أسرته أو عشيرته، وقد كان الإنتقام والثأر ضروريا بل كان من العار عدم الأخذ بالثأر. ولم يبق حاليا من هذا الحق الخاص في توقيع الجزاء إلا حالات معدودة كحالة الدفاع الشرعي عن النفس أو المال، ولكنه رغم كونه جزاءا خاصا فإن القانون ينظمه ولا يسمح به إلا في حالة الضرورة القصوى، فيبيح القانون رد الاعتداء الحال، كما يعتبر من الجزاء الخاص الحق في الحبس الذي يجيزه القانون بحيث يجوز لكل من التزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام ترتب عليه وله ارتباط بالتزام المدين وفقا للمادة 200 مدني، ولكن هذه الجزاءات الخاصة نظمها المشرع فلا يستعملها الشخص كما شاء. ويضمن الجزاء استقرار المجتمع وتحقيق النظام فيه بحيث يولد الثقة لدى الجميع في فعالية القواعد القانونية

وقد أثير نقاش فقهي حول مدى اعتبار الجزاء عنصرا لازما للقواعد القانونية فالمفروض هو أن يحترم الأشخاص القاعدة القانونية من تلقاء أنفسهم، وأن يضل الجزاء وضعا استثنائيا يمثل حالة عارضة. فالشخص بطبيعته حيوان عاقل، وهو غالبا ما يستجيب إلى القانون دون الضغط عليه، فنحن نشعر في حياتنا اليومية بنوع من العفوية في احترام القانون بدلا بدون ضغط، بل إن بعض الأشخاص يفضلون الموت بدلا من عدم احترام بعض القواعد القانونية المتعلقة بعدم إيذاء الغير في ماله وشرفه أو في جسمه وكذلك القواعد المتعلقة بالوفاء بالإلتزامات، لكن هذا الشعور يتحقق في بعض القواعد دون الأخرى. فقواعد القانون الإداري مثلا لا يمكن أن تولد نفس الشعور لدى الناس، لهذا لا بد لاحترامها من توافر جزاء على مخالفتها ولا يمكن القول بتواجد الشعور التلقائي باحترام القواعد القانونية لدى جميع الناس، لتباين أخلاق الأفراد في المجتمع، لهذا يبقى الجزاء عنصرا لازما لاحترام القواعد القانونية. وهناك رأي فقهي يرى أن الجزاء ليس عنصرا مكونا للقاعدة القانونية، بل هو عنصر خارجي متعلق بمدى نفاذها فقط، إذ أن عدم توافر الإجبار المادي في القاعدة القانونية لا ينفي وجودها، وإنما يقلل من فاعليتها، ونفاذها في العمل، ويستند أصحاب هذا الرأي لتبرير موقفهم إلى القانون الدولي العام والقانون الدستوري، فيرون أن انتفاء الجزاء في هذين القانونين لم يؤد إلى انتفاء الطبيعة القانونية لهذه القواعد. ويمكن الرد على هذا القول بأن الجزاء عنصر لازم للقاعدة القانونية، والجزاء في القانون الدولي موجود وينسجم مع طبيعة القانون الدولي العام كابطال المعاهدات، وتوقيع العقوبات الاقتصادية، والحصار البحري، كما أن لقواعد القانون الدستوري جزاءا ينسجم معها ويتمثل في التوازن القائم بين السلطات إذ توقف كل سلطة الأخرى إذا جاوزت حدودها وكذلك الرأي العام يراقب هذه السلطات ويطالب بإعادة تنظيمها بالإنتخاب أو بالثروة

ب- مميزات الجزاء

أولا: يتميز الجزاء بأنه مادي محسوس، وبالتالي يختلف عن الجزاء في قواعد الأخلاق والمجاملات والتقاليد الذي يكون مجرد جزاء معنوي يتمثل في تأنيب الضمير واستنكار الرأي العام

ثانيا: الجزاء توقعه السلطة العامة، فتوجد سلطة عامة مختصة في الجماعة يعهد إليها كفالة إحترام القانون عن طريق احتكار توقيع الجزاء ويستعصى على الأفراد مقاومتها بما تسخره من وسائل لذلك، وتحقق نوعا من التوازن بين الجزاء والضرر، على عكس ما كان موجودا في المجتمعات القديمة إذ كان الجزاء غير منظم وكان من المضرور يقتضي حقه بنفسه دون مراعاة التوازن بين الضرر والجزاء

ثالثا: والجزاء في القاعدة القانونية حال غير مؤجل، وهذا ما يؤدي إلى تخوف الأشخاص من توقيعه، بينما هو بالنسبة لقواعد الدين أخروي ومؤجل

ج- أنواع الجزاء

يختلف الجزاء باختلاف فروع القانون، فهناك جزاء جنائي أو مدني أو إداري

أولا: الجزاء الجنائي: ويوقع على كل من يرتكب فعلا تحرمه قاعدة جنائية وترفع عنه الدعوى العمومية النيابة العامة نيابة عن المجتمع ككل، ويتمثل الجزاء في عقوبة الإعدام أو الحبس أو السجن وقد يكون غرامة مالية يدفعها الجاني

ثانيا: الجزاء المدني: فإذا أخل المدين بالتزاماته يلزم بالتنفيذ العيني أو بمقابل متى كان تنفيذ الالتزام ما زال ممكنا، هذا إذا كان الالتزام يتمثل في القيام بعمل، أما إذا كان التزاما بالامتناع عن عمل وقام الشخص به فيتمثل الجزاء في إعادة الحالة إلى ما كانت عليه وقت وقوع المخالفة. فإذا استحال ذلك يلزم المدين بالتعويض، وهو جزاء مدني أيضا يلزم من خالف أحكام القاعدة القانونية بتعويض المضرور عما أصابه من ضرر، وقد يكون ملزما بالتنفيذ العيني، او بإعادة الحال إلى ما كانت عليه، وإلى جانب ذلك يحكم عليه أيضا بالتعويض إذا تسبب في ضرر أصاب الغير أو أصاب المتعاقد، ويتمثل الجزاء المدني أيضا في البطلان أي في إزالة التصرف القانوني المخالف للقانون أو الفسخ في حالة إخلال المتعاقد بالتزاماته العقدية

وتجدر ملاحظة أنه يمكن أن يترتب على نفس الفعل جزاء جنائي ومدني في نفس الوقت، مثال ذلك أن يصدم سائق سيارة شخصا فيقتله، فتترتب على هذا الفعل مسؤولية السائق الجنائية اي حق المجتمع في العقاب الجنائي، فترفع الدعوى العمومية على الجاني ويعاقب عقوبة جنائية، ويترتب على هذا الفعل أيضا لذوي الحقوق الحق في المطالبة بالتعويض فيرفعون الدعوى المدنية مطالبين بالتعويض المستحق لهم عن الضرر الذي لحقهم

ثالثا: الجزاء الإداري: ويتمثل في الإنذار الذي يوجه إلى العامل، أو في الخصم من المرتب أو من الأجر، او في التنزيل من الدرجة وقد يتمثل في الفصل النهائي عن العمل

رابعا: الجزاء في قانون الإجراءات المدنية والجزائية: يتمثل الجزاء هنا في بطلان الإجراءات المخالفة لاحكام هذين القانونين كالحكم ببطلان صحيفة الدعوى او ببطلان الاجراءات



المبحث الثاني: صلة القاعدة القانونية بقواعد السلوك الأخرى

باعتبار القاعدة القانونية قاعدة سلوك تحكم سلوك الفرد في المجتمع، فلابد من تحديد صلتها بقواعد السلوك الأخرى، كالأخلاق او المجاملات او التقاليد او الدين فهل القواعد القانونية مستمدة منها أو هناك اختلاف بينها؟


المطلب الأول: القانون والأخلاق

إن كل شخص يعلم أنه لا يجب قتل الغير ولا الإضرار به كما يجب أن يسرق فهذه القواعد قواعد أخلاقية، ويلاحظ أن القانون تضمنها كذلك، وعليه نتساءل عن كيفية التفرقة بين القانون والأخلاق

يرى البعض أن الأخلاق تقتصر على حكم الحياة الباطنة في الضمير، أي النوايا والمقاصد بينما يقتصر القانون على المحسوس من الأفعال، وهذا الرأي مردود لأنه وإن كان القانون لا يأخذ بعين الإعتبار النوايا، فهو مع ذلك يوليها عناية إذا صاحبت الأعمال الخارجية كالغش والتدليس والتعسف في استعمال الحق

فللقانون صلة بالأخلاق إذ أن كثيرا من القواعد القانونية تقوم على أساس أخلاقي، فالقانون يمنع الاعتداء على النفس أو العرض أو المال، كما أنه لا يجيز الإثراء بلا سبب، كما أنه يبطل العقد إذا كان سببه غير مشروع أي مخالف للنظام العام أو الأداب العامة، وما الأداب العامة إلا الأخلاق الإجتماعية أي السائد في مجتمع معين. وقد يهتم القانون بمسائل خاصة بمساعدة الآخرين فنظرية الميسرة أساسها منح القاضي المدين أجلا للوفاء حسب الظروف المادة 2/119 مدني

ولكن رغم هذا، هناك بعض المسائل الأخلاقية التي لا تمت القانون بصلة كالإعتراف بالجميل والشفقة والإيثار...الخ فهناك اختلاف بين القواعد القانونية والأخلاقية يتمثل فيما يلي

من حيث الهدف: فقواعد الأخلاق تهدف إلى الارتقاء بالعقل البشري إلى المثالية وبالإنسان إلى الكمال، بينما يهدف القانون إلى المحافظة على النظام والإستمرار في المجتمع، فالأخلاق تهتم بالعلاقة الداخلية للإنسان، وواجب الإنسان نحو نفسه وإرتقائه إلى  الكمال وهناك من يرى أنه إذا أدت الأخلاق وظيفتها والقانون وارتقت بالانسان الى الكمال، فهذا سيحقق حتما النظام في المجتمع

والقانون يهدف إلى تحقيق العدالة، والعدالة فكرة أخلاقية، وبالتالي يكون للأخلاق والقانون نفس الهدف، إلا أن هذا الرأي مردود، لأن القانون قد يضحي بالعدالة في سبيل تحقيق الإستقرار في المعاملات، فيكون بعيدا عن القاعدة الأخلاقية، مثل قواعد سقوط الحقوق واكتسابها بالتقادم فهي تتناقض مع الأخلاق ولكن يفرضها استقرار المعاملات

من حيث الصياغة: تصبح القواعد القانونية، وإن كان أساسها الأخلاق بصياغتها الدقيقة أكثر وضوحا مما يحقق الاستقرار في المجتمع، فمثلا تقتضي الأخلاق عدم الشراء بثمن أقل من قيمة الشيء وهذا يؤدي إلى إبطال جميع التصرفات تقريبا ولكن القاعدة القانونية التي تحدد الغبن الفاحش في بيع العقار بأقل من 4/5 ثمن المثل تعتبر قاعدة دقيقة يسهل تطبيقها

من حيث الجزاء: فجزاء مخالفة القاعدة القانونية جزاء مادي، توقعه السلطة العامة على المخالف، في حين أن الجزاء على مخالفة القواعد الأخلاقية جزاء معنوي يتمثل في استنكار الرأي العام وتأنيب الضمير

غير أن الاختلاف في الغاية والجزاء والصياغة لا يمنع من أن القانون يعتمد أساسا على الأخلاق، وأغلب القواعد القانونية ما هي إلا قواعد أخلاقية، رأى المشرع أهميتها القصوى لإقامة النظام في المجتمع فصاغها في صورة قواعد قانونية


المطلب الثاني: القانون وقواعد المجاملات والتقاليد

تقوم في المجتمع قواعد سلوك تواتر الناس على اتباعها، فتعتبر من تقاليد هذا المجتمع، ويحرص الناس على اتباعها في علاقاتهم أو في ملبسهم، مثال ذلك التهنئة والعزاء، وهي قواعد تنشأ في المجتمع دون إرادة واعية بل تعود عليها الناس بصفة تلقائية إلى أن يتم التخلي عنها لمخالفتها المنطق والمعايير المعاصرة

وقد ترقى بعض قواعد المجاملات إلى شبه قواعد قانونية، كقاعدة إعطاء الأولوية للعجزة في وسائل المواصلات

وتتفق قواعد المجاملات مع القواعد القانونية لكونها تحكم سلوك الأفراد في الجماعة لكن تختلف عن بعضها لكون قواعد المجاملات قواعد غير مستقرة تختلف من منطقة إلى أخرى، وكذلك تختلف عنها من حيث الجزاء، إذا الجزاء على مخالفة قواعد المجاملات والتقاليد يتمثل في استنكار الجماعة، بينما الجزاء على مخالفة القاعدة القانونية جزاء مادي تتولاه السلطة العامة

كما أن هناك إختلافا بينهما من حيث الهدف، فإذا كان الهدف من القواعد القانونية هو النظام والاستقرار في المجتمع، فإن قواعد المجاملات والتقاليد تحقق غايات عرضية تفرضها التقاليد الموجودة، ولا يؤدي عدم اتباعها او عدم مراعاتها إلى إنقاص أو اضطراب النظام في المجتمع

المطلب الثاني: القانون وقواعد الدين

الدين يعالج واجبات الإنسان نحو ربه ونحو نفسه ونحو غيره وتتفق القواعد الدينية مع القواعد القانونية، إذ الدين يحرم القتل والسرقة وإيذاء الغير، وهذه الأمور يحرمها القانون أيضا

لكن تبقى قواعد الدين التي تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه، والخاصة بالعبادات مسائل لا يتولاها القانون، أما القواعد الدينية الخاصة بالمعاملات، فقد قنن المشرع بعضها كالميراث والولاية على المال....الخ، وتعتبر الشريعة الاسلامية مصدرا ماديا لقانون الاسرة، كما يرجع القاضي لمبادئ الشريعة الاسلامية في حالة عدم وجود نص تشريعي، وتعتبر مصدرا قانونيا

وتختلف قواعد الدين عن قواعد القانون في ان جزاء مخالفة قاعدة دينية هو جزاء اخروي، فالقواعد الدينية لا يوضع لها جزاء دنيوي باعتبارها قواعد دينية، ولكن إذا تبناها المشرع وأدخلها ضمن القواعد القانونية وقرر لها جزاءا، فالجزاء في هذه الصورة جزاء دنيوي قرره المشرع لمخالفة قاعدة قانونية وليس جزاءا مقررا لمخالفة قاعدة دينية


الفصل الثالث: تقسيم القواعد القانونية 

تنقسم القواعد القانونية إلى قواعد مكتوبة، وهي التي تضعها السلطة المختصة بسن التشريع وإلى قواعد غير مكتوبة، وهي عبارة عن معنى يستقر في ذهن الجماعة فتشعر بالزاميته دون أن يدون في عبارات واضحة مثل العرف،  وتنقسم القواعد القانونية أيضا إلى قواعد موضوعية وهي كل القواعد التي تحدد الواجبات وتقرر الحقوق، وإلى قواعد شكلية تبين الاجراءات التي يجب اتباعها لاكتساب الحق أو ممارسته، أو تلك التي يلزم اتباعها في حالة مخالفة القاعدة، و هذه المسائل تتضح جليا عند دراسة تقسيم القواعد القانونية من حيث الموضوع


المبحث الأول: تقسيم القواعد القانونية من حيث قوة إلزاميتها

إن القواعد القانونية كلها كلها ملزمة و الالزام ركن خاص ومميز للقاعدة القانونية لكن درجة الالزام تختلف بين قاعدة و أخرى وذلك نظرا لأن بعض القواعد آمره لا تجوز مخالفتها، وبعضها مكملة فقط، فيجوز للأفراد الاتفاق على خلافها

المطلب الأول: مفهوم القواعد الآمرة والقواعد المكملة

.إن جميع القواعد القانونية ملزمة ولكن هناك اختلاف من حيث درجة الإلزام بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة

  إن تحقق النظام والاستقرار في المجتمع يفرض وضع قواعد قانونية آمرة بحيث تنعدم بصددها الحرية الفردية، فهذه القواعد تجبر الأفراد على احترامها، فلا يجوز لهم الإتفاق على تغيير سن الرشد، ولا استبعاد واجبات الزوج في عقد الزواج مثلا، لأنها قواعد آمرة لا تجوز مخالفتها كما أن القواعد الخاصة بالنظام العام والآداب العامة كلها آمرة

أما القواعد المكملة فهي القواعد التي يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف حكمها، فهي قواعد مكملة لإرادة الأفراد في حالة عدم الإتفاق عليها ويطلق على هذا النوع من القواعد أيضا اسم القواعد المفسرة باعتبار أنها  اتجاه نية الأطراف  إلى تطبيقها في حالة عدم اتفاقهم على مخالفتها. وقد أثير نقاش فقهي حول الزامية القواعد المكملة، فهناك من يرى أنه إذا كان من الممكن الاتفاق على مخالفه القاعدة المكملة فهي غير ملزمة للأطراف في الأصل، وهي تعتبر قاعدة اختيارية في المرحلة الأولى،  ثم إذا تمت بين الأفراد معاملة مع تنظمها قواعد مكملة، ولم يتفق الطرفان على المسألة، أي لم يستبعد تطبيق القاعدة المكملة، فإنها تصير الزامية أو اجبارية بالنسبه لهما في هذه المرحلة. ولكن لا يمكن الأخذ بهذا الرأي، إذ يجعل الطبيعة القانونية للقاعدة معلقة على إرادة الأطراف. فالقاعدة المكمله هي قاعدة قانونية ملزمة للأفراد في حالة عدم الاتفاق على استبعاد حكمها. فالقاعدة القانونية مهما تكن طبيعتها، آمرة أو مكملة، لا تنطبق إلا إذا توافرت الشروط اللازمة لانطباقها ومن هذه الشروط بالنسبة للقاعدة المكملة عدم اتفاق الافراد على استبعاد حكمها فتصبح ملزمة لهم في حالة عدم الاتفاق على ما يخالفها، مثال ذلك المادة 1/387 مدني التي تنص على ما يلي: "يدفع ثمن البيع من مكان تسليم المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك". فاذا لم يتفق المتعاقدان على دفع ثمن المبيع في مكان آخر فتنطبق القاعدة القانونية المكملة جبرا و يكون دفع الثمن في مكان تسليم المبيع. ومن هنا تظهر أيضا أهمية القاعدة القانونية المكملة، لأنه في حالة عدم اتفاق الأفراد على المسائل التفصيلية في علاقاتهم فتكمل القاعدة القانونية تنظيم هذه المسائل

المطلب الثاني: معايير التفرقة بين القاعدة القانونية الآمرة والقاعدة المكملة


هناك معيار ان المعيار الشكلي و المعيار الموضوعي
أولا: المعيار الشكلي 

.يرجع الى القاعدة القانونية بحيث  يتضح من صياغته ما يدل على أن النص آمر أو يتضمن قاعدة مكملة

 .فبالنسبة للقواعد الآمرة مثلا قد تفرض عقوبة على مخالفتها كقواعد قانون العقوبات فهي قواعد آمرة

 قد تتضمن قواعد القانون المدني جزاءا على مخالفتها، فيتقرر بطلان الاتفاق المخالف للقاعدة، فيعتبر نصا آمرا كنص المادة   3/377 مدني الذي يبطل كل شرط  يسقط الضمان

كما تقرر المادة 2/92 مدني بطلان التعامل في تركة الانسان مازال حيا، وقد يشير النص القانوني الآمر صراحة على أنه لا يجوز الإتفاق على مخالفة أحكامه مثل نص المادة 402 مدني ينص على أنه : " لا يجوز للقضاة ولا للمدافعين القضائيين ولا للمحاميين ولا للموثقين ولا لكاتب الضبط أن يشتروا بأنفسهم

كما قد تنص المادة صراحة على أنه: " لا يمكن " أو " لا محل " للدلالة على النفي وعدم الجواز مثل المادة 145 مدني التي تنص على أنه لا يمكن للدائن أن يطالب بحق مؤجل قبل حلول أجله

أما القواعد المكملة فيمكن استخلاص أنها مكملة من النص نفسه، كنص المشرع في المادة ذاتها على " جواز مخالفتها" أو " على ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك" فتنص المادة 395 مدني مثلا على ما يلي: " إن نفقات تسلم المبيع تكون على المشتري ما لم يوجد عرف أو اتفاق يقضي بغير ذلك

كما قد يصوغ المشرع النص بحيث لا تظهر فيه صورة الالزام، كالنص على أنه يجوز أو يلزم، كنص المادة 470 مدني مثلا التي تنص على أنه يجوز أن تكون أجرة الإيجار إما نقودا وإما تقديم أي عمل أخر

.ولكن المشرع لا يستعمل هذه العبارات في كل المواد بل هناك مواد لا يمكن تحديد صفتها إلا عن طريق دراسة أو تحليل مضمونها

ثانيا: المعيار الموضوعي

إذا لم يتضح صراحة من القاعدة صفتها أي هل هي آمرة أو مكملة فنرجع إلى مضمون النص وإلى مدى تعلق الأمر بالمصالح الأساسية والمقومات الأساسية للمجتمع أي هل يتعلق الأمر بالنظام العام والأداب العامة. فإذا كانت للقاعدة علاقة بهذه الصفة كانت آمرة وإلا فهي مكملة لتعلقها بالمصالح الخاصة للافراد

فالقواعد المتعلقة بالنظام العام او الأداب العامة تعتبر تقييدا لمبدأ سلطان الإرادة بحيث أنها تقيد حرية الأشخاص في التعاقد إذ تنص المادة 96 مدني على أنه: " إذا كان محل الإلتزام مخالفا للنظام العام والأداب العامة كان العقد باطلا" . ويعتبر بطلان الإتفاقات المخالفة للنظام العام أو الأداب العامة من أخطر وأقوى أنواع البطلان إذ يستطيع القاضي الحكم به من تلقاء نفسه دون اشتراط تمسك صاحب المصلحة به

ويلاحظ أن القواعد المتعلقة بالنظام العام والأداب العامة كلها آمرة، أي لا يجوز للأفراد استبعاد حكمها، ولكن القواعد الآمرة ليست كلها من النظام العام، بل قد يرى المشرع وجوب جعل القاعدة آمرة لاعتبارات تتعلق بحماية أوضاع معينة فيصوغها بشكل يتضح منه عدم جواز مخالفتها، فالقواعد المتعلقة بنقص الأهلية مثلا تعتبر قواعد آمرة لا يجوز للأفراد مخالفتها، ولكن ليست متعلقة بالنظام العام فالحكم على مخالفتها هو القابلية للإبطال وليس البطلان المطلق

:أ-النظام العام

يصعب تحديد مفهوم النظام العام، ذلك أن هدف القانون هو تحقيق النظام في المجتمع. فجميع القواعد القانونية تسعى إلى تحقيق النظام والاستقرار في المجتمع، ولكن ليست كلها من النظام العام. إذ النظام العام يخص القواعد الضرورية والتي لا يمكن الاستغناء عنها بحيث لا يتصور بقاء كيان المجتمع سليما دون استقراره عليها فيشمل النظام العام المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام المجتمع من الناحية السياسية والإقتصادية والإجتماعية والخلقية

لهذا تعتبر قواعد القانون الجنائي من النظام العام، لأنها خاصة بتحقيق الأمن في المجتمع. كما تعتبر كل قواعد القانون العام تقريبا من النظام العام، فقواعد القانون الدستوري المتعلقة بتنظيم الدولة وتكوينها ونظام الحكم فيها وبالحريات العامة، تعتبر من النظام العام، فلا يجوز للإحدى السلطات أن تتنازل عن اختصاصاتها لسلطة أخرى كما لا يجوز للأفراد التنازل عن حرياتهم وحقوقهم العامة، وبالنسبة لقواعد القانون الإداري تعتبر من النظام العام وكذلك القواعد المتعلقة بالنظام المالي

أما قواعد القانون الخاص، فمعظمها قواعد مكملة، لأن أغلبها خاص بالمعاملات بين الأفراد فيترك لهم القانون الحرية في الإتفاق عليها. لكن قد ينظم المشرع مسائل معينة بقواعد أمرة، كما أن القواعد المتعلقة بالأحوال الشخصية وبالحالة المدنية للأشخاص تعتبر من النظام العام لأنها تخص النظام الاجتماعي

وفكرة النظام العام فكرة مرنة تختلف باختلاف المكان، فالقرض بفائدة بين الأفراد يعتبر مخالفا للنظام العام في الجزائر وفقا للمادة 454 مدني بينما لا يعتبر كذلك في مصر وفرنسا. وكذلك يختلف النظام العام باختلاف الزمان، فالتأمين على الحياة كان يعتبر في القديم مخالفا للنظام العام ويعتبر عملا غير مشروع لأنه مضاربة على حياة الشخص، بينما أصبح اليوم مشروعا وغير مخالف للنظام العام 

:ب- الآداب العامة

هي مجموع الاسس الاخلاقية الضرورية لحفظ كيان المجتمع والمحافظة على توازنه وعدم انحلاله، ولا بد من التفرقة بين الأداب العامة والاخلاق، فليست القواعد المتعلقة بالأخلاق هي كلها قواعد متعلقة بالأداب العامة، بل يقصد بالأداب العامة الحد الأدنى من قواعد الأخلاق الذي تعتبره الجماعة لازما للمحافظة على عدم الانحلال. فيفرض على الجميع إحترامه وعدم المساس به أو الانتقاص منه وتتأثر الآداب العامة بعوامل معينة خاصة بالعادات والتقاليد والدين، لهذا تعتبر فكرة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان، مثال ذلك لا تجيز المجتمعات الإسلامية التعايش بين الرجل والمرأة في غير إطاره الشرعي أي الزواج، أما في المجتمعات الغربية فإن علاقة الخليلين مشروعة ترتب آثارا قانونية، ونظرا لاتصال فكرة الآداب العامة بالدين عندنا نجد ان إطارها العام لا يتغير عبر الزمان على عكس البلدان الغربية التي تعتبرها معيارا مرنا، فقد كانت الوساطة في الزواج مخالفة للآداب العامة في فرنسا وأصبحت مشروعة اليوم، كما كانت الوصية لابن غير شرعي مخالفة للآداب العامة في فرنسا وأصبحت اليوم مشروعة بل أصبح للإبن غير الشرعي بمقتضى قانون 15 جويلية 1955 الحق في المطالبة بالنفقة كالابن الشرعي

إذن فكرة النظام العام والأداب العامة هي من الأفكار المرنة غير المحددة، لذلك يتمتع القاضي بالسلطة التقديرية في تحديد نطاقهما ولكنه مقيد بالإعتقاد العام المسيطر على أفراد المجتمع، فليس له تحديد النظام العام وفقا لاعتقاده الشخصي أو اعتقاد شخص آخر


المبحث الثاني: تقسيم القواعد القانونية من حيث الموضوع

ينقسم القانون من حيث الموضوع إلى قواعد تنتمي إلى القانون العام وأخرى تنتمي إلى القانون الخاص، وتوجد قوانين يصعب تحديد طبيعتها، لأن بعض قواعدها من القانون العام والبعض الآخر من القانون الخاص

المطلب الأول: أساس التفرقة بين القانون العام والخاص

إن القول بأن القانون العام اتسع ليشمل معظم قواعد القانون الخاص، يرجع إلى التدخل المستمر للدولة في تنظيم العلاقات الخاصة وتقييد الحريات الفردية بقواعد آمرة لا تجوز مخالفتها. وأصحاب هذا الراي هم الذين يفرقون بين القانون الخاص والعام على أساس أن القانون العام قواعده آمرة والقانون الخاص قواعده مكملة بحيث يلعب مبدأ سلطان الإرادة دورا كبيرا في مجال العلاقات الخاصة، ولكن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به، لأن قواعد القانون الخاص قد تكون أيضا آمرة فالقواعد المتعلقة بالنظام العام والاداب العامة كلها آمرة لا تجوز مخالفتها على النحو السلف ذكره في تقسيم القواعد القانونية إلى آمرة ومكملة

وهناك من يرى أن القانون العام يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة بينما يهدف القانون الخاص إلى تحقيق المصلحة للأفراد، وهذا غير صحيح، إذ القانون سواء كان عاما أو خاصا يهدف إلى تحقيق النظام العام في المجتمع، أي تحقيق المصلحة العامة، فالملكية في إطار القانون الخاص مثلا تحقق وظيفة اجتماعية

.فالقانون يهدف إلى تنظيم الحياة الاجتماعية، ولا تتصور حماية المصلحة الخاصة إذا تعارضت مع المصلحة العامة

ويذهب البعض إلى أن المصلحة العامة هي معيار التفرقة بين القانون الخاص والعام، ويبررون ذلك بأنه إذا كان صحيحا أن جميع قواعد القانون تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة فإن القانون العام وحده هو الذي يحقق المصلحة العامة المباشرة، أما القوانين الأخرى فتسعى إلى تحقيق المصلحة العامة غير المباشرة ولكن يمكن رد على هذا الرأي بأنه يصعب تحديد التفرقة بين المصلحة العامة المباشرة وغير المباشرة فقانون الأسرة مثلا قانون خاص، ولا يمكن القول بأنه ينظم المصلحة الخاصة أو المصلحة العامة غير المباشرة، فإن تنظيم الأسرة يحقق مصلحة المجتمع بالدرجة الأولى

وهناك من يرى أن القانون العام لا ينظم العلاقات المالية بينما القانون الخاص لا ينظم إلا العلاقات المالية، وهذا المعيار أيضا غير صحيح، لأن القانون العام له جانبه المالي المتعلق بالضرائب والرسوم والأموال العامة كما أن للقانون الخاص جانبه غير المالي المتعلق بالحقوق اللصيقة بالشخصية وكذلك بعلاقات الأسرة

والمعيار الصحيح الذي يمكن الإستناد إليه، هو أنه في القانون العام تكون الدولة طرفا في العلاقة القانونية باعتبارها صاحبة سيادة اما القانون الخاص فهو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا. فالمشروعات العامة التي تباشرها الدولة عن طريق المؤسسات العامة تخضع من حيث إدارتها ونظامها القانوني والمالي للقانون العام، ولكن إذا أبرمت عقودا مع الأفراد كالبيع او الإيجار فيحكم هذه العلاقة القانون الخاص إذ تظهر الدولة فيه كشخص عادي

وترجع أهمية تقسيم القانون إلى قانون عام وخاص إلى أن قواعد القانون العام لها طبيعة خاصة فلا يجوز اكتساب الأموال العامة بالتقادم، ولا يجوز توقيع الحجز عليها، كما أن هناك سلطات ممنوحة للهيئات العامة فقط، كنزع الملكية للمنفعة العامة

المطلب الثاني: فروع القانون العام 

من بين فروع القانون العام: القانون الدولي العام، القانون الدستوري، القانون المالي، القانون الإداري، القانون الجنائي، وقانون الضمان الإجتماعي.

أولا: القانون الدولي العام 

هو مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الدول فيما بينها، وتحدد حقوقها وواجباتها وواجباتها في حالة السلم والحرب، فتبين الشروط اللازم توافرها لقيام الدولة وحقوقها باعتبارها صاحبة سيادة.

وهناك من يرى أن قواعد القانون الدولي العام قوانين لا تعد قواعد قانونية، لأنه لا توجد سلطة عامة تضع القواعد وتراقبها، وتتولى توقيع الجزاء على مخالفيها، لكن يمكن الرد على هذا الرأي بأنه و لم توجد سلطة تشريعية تسن قواعد القانون الدولي إلا أن من مصادر القانون العرف ايضا، والقانون الدولي مصدره العرف الدولي و المعاهدات الدولية، أما بخصوص عدم وجود سلطة عليا  توقع الجزاء فإن ميثاق الأمم المتحدة نص على توقيع الجزاء على مخالفيه، ومن الجزاءات قطع العلاقات الدبلوماسية و فرض الحصار و استعمال القوة المسلحة، وقد طبق هذا الجزاء في حرب الخليج في سنه 1990 ، لكن لا يمكن الإستناد إلى هذا القول بأنه جزاء عام يطبق بنفس الدرجه على جميع الدول. وضعف الجزاء لايعيب القاعدة القانونية بل يظل القانون الدولي قانونا.

ثانيا: القانون الدستوري 

هو القانون الأساسي في الدولة، وهو أعلى درجة في النظام القانوني، و يضم مجموعة قواعد تبين نظام الحكم والسلطات العامة في الدولة والهيئات والهيئات التي تمارسها واختصاصها وعلاقتها ببعضها البعض. كما يبين الحريات العامة للأفراد، كحرية الرأي والاجتماع، والتنقل، والواجبات العامة للأفراد، كاداء الخدمة الوطنية.

ثالثا: القانون المالي 

هذا القانون يتضمن القواعد التي تبين الادارة المالية للدولة، فيتعرض لميزانية الدولة والضرائب والقروض وكيفية تحصيلها وتوزيعها، فيبين بصفة عامة النفقات العامة والايرادات العامة. وقد أصبحت الأحكام التفصيلية للضرائب المباشرة وغير المباشرة موضوع قانون مستقل، كما صدر صدر أيضا قانون مستقل خاص بالتسجيل ويشمل يشمل إيضاح مختلف رسوم التسجيل مع ملاحظة أن قانون التسجيل وإن كان قانونا عاما فهو مرتبط بالقانون الخاص، إذ يقتضي معرفة الأحكام الخاصة بالميراث والهبات والتصرفات الناقلة للملكية بوجه عام لتقدير رسوم التسجيل المتعلقه بها.

رابعا: القانون الإداري 

يتعرض لنشاط السلطة التنفيذيةن والخدمات التي تقوم بها، من إدارة المرافق العامة، كما يتعرض لعلاقة الحكومة المركزية بالإدارات الإقليمية وبالمجالس البلدية والمحلية والمؤسسات العامة، وعلى العموم إلى كيفية استغلال السلطة التنفيذية للأموال العامة.

خامسا: قانون الضمان الإجتماعي 

يستفيد العمال الذين يحددهم القانون من نظام الضمان الاجتماعي، وذلك  للحصول على تعويض في حالة اصابات العمل، و المرض والعجز والشيخوخة والتقاعد واستفادة العمال من هذا النظام تكون في مقابل اشتراكهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، و قيامهم بدفع اقساط شهرية محسوبة بنسبة معينة من مرتب كل منهم ويتمتع صندوق الضمان الاجتماعي في تحصيله لأقساط الاشتراك بكل مميزات السلطة العامة.

سادسا: القانون الجنائي 

.ينقسم القانون الجنائي إلى: قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية

:أ-قانون العقوبات

هو مجموعة القواعد التي تحدد انواع الجرائم من جناية أو جنحة او مخالفة، وتبين أركان الجريمة وعقوباتها، ويعد التشريع المصدر الوحيد للقانون الجنائي إذ تقضي المادة الأولى منه بأن" لا عقوبة ولا جريمة بدون نص".

  وقد أثير جدل فقهي حول تحديد طبيعة قواعد القانون الجنائي فرأى البعض أنها تنتمي إلى القانون الخاص، ذلك لأن الجريمة اعتداء على حقوق ومصالح الأفراد. وتذهب غالبية الفقه إلى اعتبار القانون الجنائي قانونا عاما لأن الجريمة اعتداء على حق المجتمع ككل وليس على الفرد فقط، فلا يستطيع الشخص التنازل عن حقه في توقيع العقاب على الجاني، فالدعوى العمومية ترفعها النيابة العامة مدافعة عن حق المجتمع فلا يملك وكيل الدولة الصلح أو التنازل عن الدعوى متى رفعت للقضاء

:ب-قانون الإجراءات الجزائية

يتناول الإجراءات التي تتبع من وقت وقوع الجريمة إلى حين توقيع العقاب، فيبين الإجراءات الخاصة بضبط المتهم والقبض عليه والتفتيش، والحبس الاحتياطي، والتحقيق الجنائي، و محاكمة المتهم، و تنفيذ العقوبة، وطرق الطعن.

المطلب الثالث: فروع القانون الخاص 

.من أهم فروع القانون الخاص: القانون المدني، والقانون التجاري والقانون الدولي الخاص

أولا: القانون المدني 

ويتضمن مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الأشخاص، و هو أصل القانون الخاص وتفرعت عنه القوانين الاخرى، كالقانون التجاري، وقانون التأمين، وقانون الأسرة، وقانون الملكية الفكرية و الأدبية، ويعتبر القانون المدني الأصل العام بالنسبة لها جميعا ويرجع إلى القواعد العامة فيه.

 ويشمل القانون المدني مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية كالأهلية المطلوبة اكتساب الحق والتحمل بالالتزام، وحالات نقص أو فقدان الأهلية، مع ملاحظة أن المسائل المتعلقة بالأسرة خصص لها تشريع خاص بمقتضى القانون 84 - 11 المؤرخ في 9 جوان 1984 والمتضمن قانون الأسرة

ويتضمن القانون المدني أساسا القواعد المتعلقة بالأحوال العينية، فخصص الكتاب الثاني منه للالتزامات ومصادرها و اثارها وانقضائها، كما نظمت فيه مجموعة من العقود

وخصص الكتاب الثالث للحقوق العينية الاصلية، فتعرض كيفية اكتساب الملكية والحقوق العينية الاخرى المتفرعة عن حق الملكية كحق الارتفاق، وحق الانتفاع وحق الاستعمال.

أما الحقوق العينية التبعية وهي الرهن الرسمي والرهن الحيازي وحق التخصيص وحقوق الامتياز فخصص لها الكتاب الرابع.



ثانيا: القانون التجاري 

يتضمن هذا القانون القواعد المختصة بالاعمال التجارية التي يقوم بها الشخص أيا كانت صفته، كما يتضمن من جهة اخرى الاحكام التي تنطبق على الاشخاص الذين اتخذوا التجارة مهنة لهم، فيتبين ان المشرع أخذ بمعيارين معا، المعيار الموضوعي والمعيار الشخصي.

فالقانون التجاري يطبق على الاعمال التجارية بصرف النظر عما إذا كان الشخص الذي يقوم بها مكتسبا لصفة التاجر أو لا وهذا هو المعيار الموضوعي الذي تضمنته الماده 2 من القانون التجاري.

 كما يتعرض لكيفية امساك الدفاتر التجارية، و التصرفات الواردة على المحل التجاري، وتنظيم الشركات التجارية، و نظام الافلاس والتسوية القضائية، كما تعرض كذلك للاوراق التجارية.

 و يعتبر القانون التجاري فرع من القانون المدني واستقل عن هذا الاخير لما تتطلبه المعاملات التجارية من سرعة وتوفير الثقة وفيما يلي نميز بينهما في المسائل التالية:

 .في الإثبات: الأصل هو حرية البينة في المواد التجارية أما في المواد المدنية فيجب اثبات ما تجاوز قيمته 1000 د.ج بالكتابة

 الافلاس: وهو خاص بالقانون التجاري إذ تقوم جماعة الدائنين أو وكيل التفليسة نيابة عنهم باجراءات جماعية تحقق مبدأ المساواة بينهم، أما في القانون المدني فيستطيع أي دائن الحجز أو حبس أموال مدينه بإجراء انفرادي، فلم ينظم القانون المدني نظام الاعسار على غرار تنظيم القانون التجاري لنظام الافلاس.

 القانون المدني يجيز للقاضي ان يمنح أجلا للمدين للوفاء بالدين، بينما القانون التجاري يستلزم الوفاء بالدين في ميعاده نظرا لما يقتضيه هذا القانون من سرعة وتداول.

 في القانون المدني لا تنفذ حوالة الحق في مواجهة المدين ولا بالنسبة للغير إلا إذا قبلها أو أعلن بها. أما في المواد التجارية فحوالة الحقوق الثابتة في الأوراق التجارية تكون نافذة بمجرد التوقيع.


ثالثا: القانون الدولي الخاص 

هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات ذات العنصر الاجنبي بين الافراد،من حيث بيان المحكمة المختصة، والقانون الواجب التطبيق فإذا كان احد عناصر العلاقة اجنبيا سواء من حيث الاشخاص كزواج جزائري بأجنبية، أو من حيث الموضوع كأن يتوفى جزائري تاركا عقارات بالخارج، أو من حيث المكان، كأن يبرم عقد زواج أو بيع في الخارج فيتناول القانون الدولي الخاص القانون الواجب التطبيق هل هو القانون الوطني أو الأجنبي، كما يبين أيضا المحكمة المختصة بنظر النزاع، وتسمى هذه القواعد بقواعد الإسناد.

أما أحكام الجنسية فقد وردت في قانون مستقل يبين شروط اكتساب الجنسية وكيفية فقدها وسحبها. وهناك من يرى أن هذه القواعد إلى جانب القواعد التي تنظم توطن الأجانب في الدولة وتبين مركزهم هي قواعد تنتمي إلى القانون العام لأن الدولة  طرف فيها وتمارس هذا الحق بمالها من سلطة وسيادة وبالتالي يدمج أصحاب هذا الرأي القانون الدولي الخاص ضمن فروع القانون  المختلط.


المطلب الرابع: فروع القانون المختلط 

إن وصف بعض فروع القانون بأنها قواعد قانونية مختلطة يعتبر وصفا حديثا ومازال بعض المؤلفين يرفضون هذه الفكرة على أساس أنها تعبر عن الفشل في تحديد الطبيعة القانونية لبعض القوانين والتردد في اعتبارها من القانون العام أوالخاص فيعتبر تكييفها ضمن القانون المختلط تهربا من تحديد طبيعتها.


أولا: قانون الإجراءات المدنية 

ينظم هذا القانون اجراءات التقاضين وهو من القانون الخاص لأن صاحب الحق يستطيع التنازل عن حقه، فالخصومة ملك الخصوم يسيرونها وفق مشيئتهم فيملكون ترك الخصومة أو التنازل عن الحكم الصادر فيها

 وينظم قانون الاجراءات المدنية السلطة القضائية، فيبين اختصاص المحاكم المختلفة، والاجراءات الواجب اتباعها أمامها، وطرق الطعن في الأحكام، فهو في هذا الجانب يتبع القانون العام


ثانيا: قانون العمل 

يقصد به مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات القانونية الناشئة عن عقد العمل واعتبار العامل أثناء تأدية عمله تابعا لرب العمل. وينظم قانون العمل حقوق العمال وواجباتهم، ونظر لأن العامل طرف ضعيف في التعاقد فقد تدخلت الدولة بوضع قواعد آمرة تضمن حقوق العمال من حد أدنى للأجور، وحد أقصى لساعات العمل و الراحة الأسبوعية، والحماية الاجتماعية، وهناك من اعتبر قانون العمل قانونا عاما نظرا لتدخل الدولة المستمر في تنظيم أحكامه فأصبحت معظم قواعده آمرة، وقد بينت أنه لا يمكن الإعتماد على معيار القواعد الآمرة للقول بأن القانون عام، ذلك ان القانون الخاص أيضا يتضمن قواعد آمرة، لكن يعتبر قانون العمل قانونا مختلطا لأنه يتضمن القواعد التي تنظم العلاقه بين العمال وأصحاب الأعمال، وهذا هو الجانب الخاص، أما الجانب الآخر فيتعلق بالقانون العام إذ آن القواعد الخاصة بتفتيش أماكن العمل ومراقبة مفتشية العمل على الاتفاقيات الجماعية إلى جانب قواعد التجريم والعقوبات تتدخل الدولة فيها بما لها من سيادة على المجتمع 

ومازال الفقه يعتبر هذه القواعد تكميلية فقط وليست أساسية، وبالتالي يرون عدم الاعتماد عليها لتحديد طبيعة قانون العمل، إذ يظل قانون العمل وفقا لرأيهم قانونا خاصا وتظل طبيعة العلاقة بصدد قانون العمل طبيعة خاصة لا تتعلق بالسلطة العامة


ثالثا: القانون البحري 

هو مجموعة القواعد المتعلقة بالملاحة البحرية لأن ظروف الملاحة البحرية و الأخطار التي يمكن أن تنشأ عنها استلزمت وضع قواعد خاصة بها

 ومن الأسباب التي أدت إلى فصل القانون البحري عن القانون التجاري، ارتفاع قيمة السفينة، و تعرضها لأخطار جسيمة و وجودها أثناء استغلالها في غالب الأوقات بعيدة عن رقابة مالكها

 .و يقسم القانون البحري إلى قانون بحري عام وقانون بحري خاص:



:أ-القانون البحري العام

يشمل القواعد القانونية التي تنظم العلاقات البحرية بين الدول سواء وقت السلم أو في وقت الحرب. ومن أهم المسائل التي يتعرض لها هذا القانون، حرية الملاحة، و البحار، و البحر الاقليمي، و الحصار البحري، و الغنائم البحرية، ويتفرع عن هذا القانون، القانون الإداري البحري الذي يحكم العلاقات بين الأشخاص القائمين بالاستغلال البحري من جانب والدولة ومؤسساتها المختلفة من جانب آخر، كالقواعد الخاصة بسلامة السفن وصلاحياتها للملاحة والإشراف على استخدام الملاحين، وبمؤهلات الربابنة، وضباط الملاحة،  والمهندسين البحريين. و تظهر الدولة في هذه الحالة بصفتها صاحبة السيادة وبوصفها ممثلة السلطة العامة.


:ب-القانون البحري الخاص

هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد و الهيئات الخاصة بصدد الملاحة البحرية، وهذا المعنى الخاص هو الذي يقصد عادة بمصطلح "القانون البحري"، ويتناول السفينة و أشخاص الملاحة البحرية والنقل البحري. ويحدد التزامات كل من الشاحن، والناقل ومسؤولياته، كما ينظم القواعد التي تحكم الحوادث البحرية و التأمين البحري، كما يحدد العلاقة بين ربان السفينة و ملاحيها مع مالكها ومسؤولية هذا الأخير قبلهم. 



رابعا: القانون الجوي 

ينظم القانون الجوي العلاقات الناشئة عن الملاحة الجوية، فيشمل تحديد مختلف أصناف الملاحة الجوية، كما يحدد شروط الاستغلال التجاري الخاص بتنظيم النقل الداخلي والدولي. ويحدد شروط تنقل الطائرات، و كيفية استعمال الفضاء الجوي ومراقبة صلاحية الطائرات، وحماية المطارات. وتنتمي هذه القواعد إلى القانون العام لأن الدولة تكون طرفا فيها بصفتها صاحبة سيادة. ويتعرض هذا القانون بالأخص إلى مسؤولية الناقل الجوي عن نقل الركاب والبضائع، وهذه القواعد تنتمي إلى القانون الخاص. ويستمد القانون الجوي معظم قواعده من المعاهدات الدولية، لذا  يرى أغلبية الفقهاء أنه من الضروري أن يكون للقانون الجوي كيان مستقل، لأنه لم يراع في هذه الاتفاقيات إلا الضرورة التي تقتضيها الملاحة الجوية دون أن يؤخذ بعين الاعتبار القواعد العامة السائدة في القوانين الداخلية.


المراجع:

 د .محمدي فريدة ( زواوي) ، المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية -
 وحدة الرغاية ، الجزائر، 1998
. د.تناغو، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف، الاسكندرية،1986 -
رمضان أبو السعود، المدخل إلى القانون، الدار الجامعية، بيروت، 1984 -
د. حبيب ابراهيم الخليلي، المدخل للعلوم القانونية، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، 1990 -
د. عباس الصراف وجورج حزبون،المدخل إلى علم القانون، عمان، 1985 -
د. توفيق حسن فرج ود. محمد يحي مطر، الأصول العامة للقانون، الدار الجامعية، بيروت، 1988 -
د. جميل الشرقاوي، مبادئ القانون، دار النهضة العربية، القاهرة -
إسحاق إبراهيم منصور، نظريتا القانون والحق، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 1993 -
رمضان أبو السعود، الوسيط في شرح قانون العمل، الدار الجامعية، 1983 -
د. محمد فريد العريني، القانون الجوي، الدار الجامعية، 1986 -

مواضيع ذات صلة:























أنت الآن في المقال الأخير

تعليقات